| | |

من مخيم نهر البارد.. رسالة إلى غزة

فاديا منصور-صدى

بين مشاهد العدوان المتواصل على قطاع غزة رغم وقف إطلاق النار، وتزايد محاولات القوى الدولية فرض واقع سياسي جديد على الفلسطينيين، يبقى صوت مخيم نهر البارد واضحاً ومتماسكاً في دعمه لصمود غزة ورفضه لأي وصاية على القرار الفلسطيني.

وفي هذا الإطار، نظمت الفصائل الفلسطينية واللجنة الشعبية في المخيم وقفة غضب واستنكار رفضاً للمشروع الأميركي المقدم إلى مجلس الأمن، والذي يهدف إلى فرض هيمنة دولية على قطاع غزة بعد الحرب. كما جاءت الفعالية تضامناً مع أهل غزة والضفة وكل فلسطين في مواجهة الاحتلال والمخططات الصهيونية المتواصلة.

شارك في الوقفة الفصائل الفلسطينية واللجنة الشعبية والحركات وأهالي المخيم عبّروا عن رؤيتهم للمرحلة الحساسة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وعن الرسائل التي يحملها المخيم في ظلّ العدوان على غزة.

كلمة حماس

وخلال الفعالية، ألقى المسؤول السياسي لحركة حماس في مخيم نهر البارد، أبو صهيب الشريف، كلمة الفصائل الفلسطينية، وقال: على مدى أكثر من عامين، ما زلنا على العهد والوعد، ثابتين وصابرين، نقف إلى جانب أهلنا في فلسطين في معركة طوفان الأقصى.

وقبل ذلك بعشرات السنين، كانت ولا تزال المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها تقدّم الغالي والنفيس من أجل أعظم وأطهر قضية عرفها التاريخ: قضية فلسطين والقدس والأقصى، قضية شعب أُخرج من أرضه ظلماً وعدواناً.”

وأضاف الشريف أن “لا خلاص ولا أمان لهذا العدو إلا بدحره عن أرضنا مهما بلغت التضحيات”، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني لم يتراجع ولن يتراجع عن مواجهة المشروع الصهيوني بكل أشكاله.

وتابع قائلاً إن الاحتلال “انكشف زيفه وسقط قناعه”، مشيراً إلى أنه لم يلتزم بوقف إطلاق النار، ولم يفتح المعابر، ولم يُدخل المساعدات، ولم يُفرج عن الأسرى، بل صعّد من الانتهاكات بحقهم.

كما أضاف أن هناك “قراراً أميركياً صهيونياً يسعى لوضع غزة تحت الوصاية الدولية، وهو أمر مرفوض جملةً وتفصيلاً”، لافتاً إلى وجود إجماع فلسطيني على أن “اليوم الثالث بعد الحرب هو يوم فلسطيني بامتياز، وأن شعبنا قادر على قيادة السفينة إلى برّ الأمان.”

وتابع الشريف حديثه حول اعتداءات الاحتلال في الضفة والقدس، من جرف الأراضي وقطع أشجار الزيتون، إلى توسيع المستوطنات وتهجير الفلسطينيين في القدس والنقب وغيرها من المناطق.

وختم كلمته قائلاً:”إننا اليوم أمام حرب جديدة، وشعبنا جاهز لمواجهة أي محاولة لتهجيره. ونقول للعدو: ما لم تحصل عليه بالحرب لن تحصل عليه بالسلم. كل التحية لأسودنا البواسل في سجون الاحتلال، ولأهلنا في غزة والضفة والقدس والشتات. نعاهد الجميع أننا ماضون على درب المقاومة حتى التحرير والنصر.”

محاولات لتجاوز الإرادة الفلسطينية… ووعي شعبي يواجهها

يرى حمزة خضر، عضو اللجنة الشعبية في مخيم نهر البارد، أنّ المرحلة الأخيرة لم تكن مجرد ضغط سياسي على الفلسطينيين، بل محاولة متكاملة “لإنهاء الدور التنفيذي الفلسطيني والالتفاف على إرادة الشعب”.

ويشير خضر إلى أنّ الولايات المتحدة عملت خلال الأشهر الماضية على فرض مقاربات سياسية تتجاوز الفلسطينيين، خصوصاً في ما يتعلق بمستقبل غزة بعد الحرب. لكنه يضيف: “ما جرى كان العكس تماماً. غزة أثبتت للعالم أننا أصحاب حق، وأن القضية الفلسطينية لا يمكن تجاوزها. صمود أهل غزة أحرج القوى الكبرى، وأعاد النقاش إلى جوهره الحقيقي: الاحتلال والعدوان والمعاناة الإنسانية.”

ويؤكد أن محاولات إنهاء الدور الفلسطيني محلياً وإقليمياً اصطدمت بالفعل الشعبي الفلسطيني المتواصل، سواء في الداخل أو في المخيمات: “نحن جزء من الشعب الفلسطيني، وموقفنا واحد: لا يمكن لأحد أن يمسّ حقنا أو يمثلنا دون إرادتنا.”

القيادة الفلسطينية بين وحدة الصف ورفض الوصاية

وفي سياق الحديث عن مستقبل الحياة السياسية الفلسطينية، يشدد أبو طارق السيد، أمين سر الفصائل الفلسطينية في مخيم نهر البارد، على أنّ المرحلة القادمة هي “مرحلة اختبار حقيقي لقدرة الفلسطينيين على توحيد قرارهم السياسي”.

ويشير السيد إلى أنّ الفصائل الفلسطينية متفقة اليوم أكثر من أي وقت مضى على ضرورة أن تكون القيادة فلسطينية خالصة، تدير الملفات السياسية والميدانية والاجتماعية من دون أي تدخل خارجي.

وقال:” نحن لا نقبل بأي وصاية، لا أميركية ولا غربية ولا عربية ولا حتى إسلامية. الشعب الفلسطيني راشد وقادر على إدارة شؤونه… وما نحتاجه اليوم هو قيادة موحّدة نابعة من إرادة الشعب.”

ويرى أن أي حديث عن مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار يجب أن ينطلق من وحدة الصف الفلسطيني، لا من إملاءات خارجية، مشدداً على أنّ ملفات الإعمار وإدارة المعابر والحفاظ على الأمن يجب أن تبقى فلسطينية بالكامل:”الشعب يعرف مصالحه، ويدرك طبيعة معركته، ويعرف كيف يحمي أرضه وقضيته.”

دعم المخيم لغزة… فعل يومي رغم الظروف القاسية

أما عبدالله شرقية، أحد أبناء مخيم نهر البارد، فيؤكد أن دعم غزة ليس موقفاً سياسياً فقط، بل واجب وجداني يشعر به كل فلسطيني في المخيمات والشتات.

ويقول إن التضامن مع غزة “أقرب إلى الشعور الذاتي منه إلى الموقف السياسي”، مشيراً إلى أن المخيم يشهد فعاليات دائمة من وقفات ومظاهرات إلى حملات جمع المساعدات وان هذا الدعم لن يتوقف وهو جزء من حياتنا اليومية.”

كما وجه شرقية نداءً واضحاً إلى مصر بضرورة فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية: “غزة اليوم تحتاج الغذاء والدواء وفتح طرق الحياة… إغلاق المعابر يزيد المأساة ويضغط على الناس.”

رغم معاناة اهالي مخيم نهر البارد وظروفه الاقتصادية الصعبة، ما زال جزءاً أساسياً من المشهد الوطني الفلسطيني.

فأبناؤه يعلنون بوضوح: رفضهم لأي وصاية دولية على القرار الفلسطيني، وتمسّكهم بوحدة القيادة الفلسطينية، واستمرار دعمهم لغزة في مواجهة العدوان والحصار

ورغم البعد الجغرافي، يبقى المخيم جزءاً حيّاً من النبض الفلسطيني العام، يؤكد أن الصمود والتضامن ليسا مجرد شعارات، بل ممارسة يومية تشكّل أحد أهم أعمدة الهوية الفلسطينية المشتركة.

موضوعات ذات صلة