أثار غياب موقف واضح من وكالة الأونروا، حول المجزرة الإسرائيلية في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين تساؤلات عدة حول مسؤوليتها، وتجاهل مديرتها في لبنان لواجباتها تجاه المخيمات الفلسطينية.
سقوط مدوي
اللقاء التشاوري الوطني الفلسطيني في لبنان، قال إن الأونروا المكلفة قانونياً بحماية الأطفال في مخيمات اللاجئين، لم تُصدر حتى اللحظة بياناً واحداً ينعى تلاميذها أو يدين استهدافهم أو يذكّر بحقوقهم الإنسانية الأساسية.
واعتبر أن الوكالة الدولية سقطت مع سقوط أطفال مخيم عين الحلوة بصواريخ الاحتلال داخل ملعب لكرة القدم.
وأوضح اللقاء التشاوري أن الحفرة التي أحدثها القصف الإسرائلي، كشفت أنّ التفويض الأممي، الذي امتدّ حتى منتصف 2029، لا يزال معلقاً في الهواء بينما الأطفال — الذين يُفترض أنهم في صلب هذا التفويض — معلّقون على حافة الخطر.
ونبه إلى أن المجزرة التي وضعت القانون الدولي أمام مرآته، فمن الناحية القانونية، التفويض الممنوح للأونروا يربطها بعدد من الالتزامات، من أهمها حماية القاصرين، تقديم الخدمات الأساسية، الدفاع عن حقوق اللاجئين، وتحمّل مسؤولية الإحالة الحقوقية في حال انتهاك سلامتهم.
فجوة مخيفة
وأكد أن ما حدث في عين الحلوة كشف فجوة مخيفة بين النص والواقع، فالأطفالٌ الذين قُتلوا أثناء لعب كرة القدم، في ملعب عام، ضمن منطقة تعرف الوكالة هشاشتها جيداً، لكنها لم تتحرك حتى على مستوى خطاب رسمي.
وأضاف إلى أن هذا الغياب ليس مجرد “قصور إعلامي”، بل إنه إخفاق قانوني، لأن الصمت في حالات كهذه يُعتبر انحرافاً عن المسؤولية الدولية المفوّضة.
والأخطر أنه يخلق سابقة: أن يموت طفلٌ لاجئ وهو تحت ولاية الأونروا دون أن يجد الوكيل الدولي مبرراً لتوثيق موته… أو لحمايته بعد رحيله.
وأكد أن مجزرة الملعب فضحت البنية السياسية للأونروا، فقتا الأطفال في الملعب فعلٌ بلا احتمالات سياسية معقدة، أظهر هشاشة الأونروا، وانفصالها عن الميدان، افتقارها لمنظومة استجابة، وغيابها عن مسؤولياتها الوقائية، وترددها المزمن في ممارسة واجبها في “حماية اللاجئ”، وهو الركن الذي بُنيت عليه الوكالة أصلاً.

تفويض بلاقيمة
وتسائل اللقاء التشاوي عن مقيمة تجديد التفويض للأونروا حتى 2029 إذا كانت الوكالة تتخلّى عن أبسط مظاهر الحماية — حتى حماية الذاكرة؟.
ولماذا يتجدد التفويض لوكالة لم تعد ترى الأطفال إلا عندما يجلسون في الصف… وتغضّ النظر عندما يسقطون على أرض الملعب؟
مديرة عامة… بين مائدة مضاءة وواقع ينزف
الأكثر إثارة للدهشة أنّ المديرة العامة للأونروا في لبنان لم تُقطع زيارتها إلى عمّان، ولم تغيّر جدول ارتباطاتها، بل حضرت مأدبة عشاء مع دبلوماسيين عشية المجزرة — وكأن المخيم الذي تديره إدارتها ليس جزءاً من مسؤولياتها المباشرة.
بل خرجت، خلال الاجتماعات نفسها، بموقف يدعم مراجعة بلادها للتمويل المخصص للأونروا، رغم حساسية اللحظة، ورغم إدراكها بأن التمويل نفسه هو صمام الأمان الوحيد لبقاء الخدمات الأساسية.
والأدهى أنّ هذه المراجعة ليست نابعة من رؤية إصلاحية، بل من صراع داخل المؤسسة مع المفوض العام الحالي، الذي تطمح إلى أن تحلّ مكانه بعد انتهاء ولايته.

دماء الأطفال
وهكذا يصبح دم الأطفال — ولو رغماً عن الجميع — عنصراً في لعبة قوة داخلية، ضغط سياسي، منافسة على منصب، ومحاولة إعادة رسم النفوذ داخل الوكالة، مع انهيار وظيفة الحماية… وميلاد صدع أخلاقي
والوكالة التي أسست لتكون مظلة حماية باتت عاجزة حتى عن إصدار بيان حماية، وبعد أن خُصص لها تفويض دولي باتت تنظر إلى الأحداث الميدانية كأنها أحداث خارج نطاق عملها، و تبدو اليوم وكأنها تحتاج إلى مراجعة شاملة قبل أن تتسلم عاماً إضافياً واحداً.
إنّ صمت الأونروا أمام المجزرة ليس خطأً بروتوكولياً، بل فشل في أداء جوهر وظيفتها.
وهو فشل يُلزم المجتمع الدولي لا بزيادة الضغط على المخيمات، بل بزيادة الضغط على الوكالة نفسها، حتى لا يتحول التفويض إلى مظلة بلا أعمدة.
أطفالٌ بقتلون ووكالة غائبة
كان الأطفال يركضون خلف كرة، لكن الكرة اصطدمت بالحقيقة قبل أن يصطدموا هم بالضربة، الحقيقة بأن الحماية الدولية ليست في الملعب.
والوكالة المكلفة بها ليست في الميدان، والتفويض الذي يُمدّد كل بضع سنوات لم يعد يتجاوز الورق.
وإذا كانت الأونروا غير قادرة على حماية طفل أثناء لعبه، فكيف يمكن الوثوق بأنها قادرة على حماية مجتمع كامل تحت القصف والفقر والتهجير؟
هنا يبرز السؤال الأكبر — السؤال الذي تخشاه الوكالة لكنه أصبح حتمياً:
هل بات اللاجئون بحاجة إلى نظام حماية جديد… بعد أن أصبحت الأونروا خارج وظيفتها وخارج الملعب؟.