خاص-صدى الشتات
في قلب بيروت، وفي الممرات الموصدة التي شهدت عقوداً من عمل منظمة التحرير الفلسطينية، يتردد اليوم صدى أكثر الملفات غموضاً وإثارة للجدل: ملف العقارات والأملاك الفلسطينية التاريخية.
ملفٌ ثقيل تتفرع منه عمليات بيع وتنازلات مالية وعمولات مشبوهة ولجنة رئاسية تحصي آلاف العقارات المسجلة على مدى عشرات السنين، فيما تُطرح أسماء شخصيات نافذة وتُفتح دفاتر قديمة كانت طوال سنوات محصّنة بالصمت.
هذا التحقيق يكشف الرواية الكاملة كما تتداولها مصادر مطلعة ووثائق غير رسمية، حول ما يجري خلف الكواليس في لبنان… حيث تتقاطع السياسة مع المال والملكية مع النفوذ والذاكرة الوطنية مع صفقات تُقدّر بملايين الدولارات.
البيع الكبير: مبنى كورنيش المزرعة
تشير مصادر خاصة لموقع صدى إلى أن مبنى مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في كورنيش المزرعة – أحد أبرز أصول المنظمة في بيروت – خرج من ملكيتها بعد بيعه لجهات لبنانية مقابل عشرات ملايين الدولارات.
الصفقة شملت المبنى والأرض المحيطة به وتمت بصمت لافت بينما بقيت التفاصيل الفعلية للاتفاق في الظل.
وبحسب المصدر فقد حصل عضو في تنظيم فلسطيني كبير يحمل الجنسية اللبنانية على مبلغ يقارب 120 ألف دولار مقابل التنازل عن ملكيته المرتبطة بالعقار ضمن ترتيبات البيع.
اللجنة الرئاسية: 2000 عقار تحت يد نجل الرئيس
يترافق هذا مع نشاط لافت للجنة شكّلها رئيس السلطة محمود عباس لحصر أملاك المنظمة في لبنان.. اللجنة، التي يتصدرها النجل الأكبر للرئيس الفلسطيني والتي تعمل على ملف يوصف بأنه من أضخم الملفات العقارية في تاريخ المنظمة ويشمل ما يقارب 2000 عقار موزعة بين بيروت والضواحي والجنوب.
تقوم اللجنة بجمع تواقيع التنازل من أفراد ومؤسسات سُجلت الأملاك بأسمائهم تاريخياً مقابل مبالغ مالية، مع إبراز قوائم مختومة من محاكم فلسطينية تتضمن أرقام العقارات وبياناتها التفصيلية.
وتشير المعلومات إلى أن عملية بيع مبنى المزرعة تمت بمتابعة مباشرة من ابن شخصية كبيرة مقربة من رئيس السلطة محمود عباس خلال فترة إدارة ملف الأملاك.
وتُقدّر أن جزءاً من الأموال المتأتية من الصفقة استُخدم لشراء المبنى الحالي للسفارة الفلسطينية في بيروت، مع تقديرات تتحدث عن مبالغ وصلت إلى نحو 60 مليون دولار في إجمالي التحركات المالية المرتبطة بالملف.
منشور علني يزيد الجدل
وفي خطوة لافتة نشر السفير الفلسطيني السابق في لبنان أشرف دبور على حسابه الرسمي في فيسبوك منشوراً بعنوان “الحكاية الكاملة” حول مبنى مكتب منظمة التحرير في كورنيش المزرعة والأرض المحيطة به، دون أن يقدم تفاصيل.

وأثار المنشور نقاشاً واسعاً داخل الأوساط الفلسطينية واللبنانية خصوصاً أن توقيته جاء متزامناً مع تصاعد الجدل حول ملف الأملاك وعمليات الحصر والبيوع، ما فتح باباً جديداً للأسئلة بدلاً من إغلاقها.
هذا المنشور العلني عزّز حجم الاهتمام بالملف، واعتُبر إشارة إلى حجم الضغوط وكمية المعلومات المتداولة في الكواليس، خصوصاً أن معظم ما يتعلق بملف الأملاك كان يجري عادة بعيداً عن الرأي العام.
بئر حسن والكولا: تنازلات رُفضت وضغوطات ظهرت
في ملف آخر من ملفات الأملاك، رفضت أرملة أحد القادة التاريخيين للمنظمة التنازل عن أراضٍ واسعة في بئر حسن في بيروت كانت قد قدمتها لمؤسسات خدماتية فلسطينية.. هذا الرفض أدى إلى مواجهتها ضغوطاً مباشرة ومتزايدة وصلت إلى حد إشهار السلاح بوجهها، لكنها أصرت على رفضها، وذلك عام ١٩٩٢.
كما يتردد أن مبنى في منطقة الكولا بيع خلال فترة سابقة وأن المستفيد من ثمنه كان قيادياً بارزاً في الحركة.
شقة 1982: عقار من عهد عرفات يرفض أصحابه التنازل عنه
ويضيف المصدر إلى أن شقة إستراتيجية تقع مقابل منزل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص، اشتراها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1982 لأسباب أمنية خلال الحرب.
هذه الشقة بقيت إحدى الملكيات التي لم يتمكن أحد من انتزاع التنازل عنها خلال السنوات اللاحقة.
ما يظهر من هذا التحقيق ليس سوى جزء من شبكة معقدة تتداخل فيها السياسة بالملكية وبالمال في واحد من أكثر الملفات حساسية في تاريخ الوجود الفلسطيني في لبنان.
ومع غياب أي إعلان رسمي شامل حتى اللحظة، يبقى ملف أملاك المنظمة مفتوحاً على احتمالات أوسع، وربما على كشف أكبر مما ظهر حتى الآن.