فاديا منصور -صدى
مع بداية العام الدراسي الجديد، يستقبل طلاب مخيم نهر البارد أيامهم الدراسية بأملٍ ممزوجٍ بالقلق، فمدارس وكالة الأونروا التي وُجدت لتكون مساحة أمانٍ وتعليمٍ لأبناء اللاجئين الفلسطينيين، تحوّلت اليوم إلى مرآة تعكس حجم الأزمة التي يعيشها اللاجئون في لبنان.
الاكتظاظ داخل الصفوف وصل إلى حدودٍ غير مسبوقة، والبنى التحتية المتعبة لم تعد تحتمل مزيداً من الطلاب، في وقتٍ تتراجع فيه قدرة الأهالي على تأمين أبسط مستلزمات التعليم في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يطاول الجميع.
في أروقة المدارس، تتشابك الأصوات بين طلاب يفتقدون للهدوء والتركيز، وأساتذة يحاولون جاهدين إيصال الدرس في وقتٍ لا يكفي حتى لضبط الصف. أما الأهالي، فيقفون أمام معادلة صعبة: بين الرغبة في تعليم أبنائهم، والعجز عن تغطية نفقات التعليم الإضافي أو الدروس الخصوصية. ومع غياب الحلول الجذرية من الأونروا، تتعمّق الأزمة عاماً بعد عام، حتى باتت تهدّد مستقبل جيلٍ كاملٍ من الأطفال الفلسطينيين في المخيم.
صفوف مزدحمة ووقت ضائع
يقول زاهر الجندي، وهو أب وناشط شبابي من المخيم: “اليوم عندما يكون هناك ٤٥ طالباً في الصف الواحد، فهذا عدد كبير جداً، ولا يستطيع الأستاذ ضبطه بمفرده. الحصة الدراسية التي لا تتجاوز الخمسين دقيقة لا تكفي لشرح الدرس بوجود هذا العدد من الطلاب. في كثير من الأحيان، عندما أزور أطفالي في المدرسة، أسمع الأساتذة يصرخون: هذا نسي كتبه، وذاك نسي مصروفه، وآخر لم يجد قلمه… فيضيع معظم وقت الحصة دون تعليم فعلي.”
ويتابع الجندي قائلاً: “كثير من المعلمين يضطرون إلى كتابة الشرح بسرعة على اللوح ثم يصورونه ويرسلونه على مجموعات الطلاب، لأن الوقت لا يسمح بالتفصيل. لكن هنا تكمن المشكلة الأكبر، فمعظم الأهالي لا يستطيعون مساعدة أبنائهم في الدراسة، ما يضطرهم إلى اللجوء للدروس الخصوصية.”

عبء الدروس الخصوصية يرهق الأهالي
يضيف الجندي بأسى: “اليوم باتت الدروس الخاصة مكلفة جداً، فأقل درس شهرياً يكلف بين ٢٥ و٣٠ دولاراً، بينما دخل الأب لا يكفي لتأمين احتياجات بيته، فكيف له أن يدفع لثلاثة أو أربعة أبناء؟”
ويختم بالقول:
“إن ما يجري هو مشروع لتجهيل طلابنا بأي طريقة كانت، وبدأ عندما زادوا أعداد الطلاب في الصفوف بهذا الشكل المبالغ فيه.”
اتهامات للأونروا بالتقصير والتجهيل
من جهته، يرى فراس علوش، عضو الحراك الشعبي في المخيم، أن المسألة تتجاوز حدود العجز الإداري، قائلاً: “الأونروا تعمل على تجهيل طلابنا بشتى الطرق. حتى اليوم لم تسلّم كتاب التربية الدينية للأطفال، رغم أنه مادة أساسية بالنسبة لنا كمسلمين، تماماً مثل اللغة العربية والرياضيات.”
ويتابع:”كما أن عملية الاختلاط في الصفوف الثانوية بين الإناث والذكور، برأينا، تهدف إلى تدمير البنية الأخلاقية للطلاب الفلسطينيين، خصوصاً في هذا العمر الحساس.”

صفوف أشبه بـ”زريبة”
ويصف علوش المشهد داخل الصفوف قائلاً: “صفوف فيها أكثر من ٤٥ طالباً أشبه بالزريبة. لا الطالب قادر أن يفهم على الأستاذ، ولا الأستاذ قادر أن يشرح كما يجب. لو أراد الأستاذ أن يجيب على سؤال واحد من كل طالب، لانتهى وقت الحصة من دون أن يعطي أي درس.”
ويضيف:”رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، كثير من الأهالي يلجأون إلى الدروس الخصوصية لتعويض النقص في التعليم، وهذا يرهق العائلات أكثر ويضيف عبئاً جديداً على كاهلهم.”

الحاجة إلى حلول عاجلة
أما الأستاذ صالح، وهو مربي أجيال متقاعد، فيؤكد أن ما يجري يُفقد العملية التعليمية معناها الحقيقي: “العدد الكبير في الصف يقلل من تركيز الطلاب، ويُصعّب على المعلم إيصال المعلومة. في ظل هذا الاكتظاظ، لا يستطيع المعلم تنفيذ خطته الدراسية كما يجب. لذلك على الأونروا أن تتحرك سريعاً لإيجاد حل من خلال بناء صفوف إضافية وتعيين أساتذة جدد من ذوي الاختصاص، حتى تُعطى المواد حقها ويُستعاد الحد الأدنى من جودة التعليم.”

صوت الطلاب: ضجيج وتشويش وصعوبة في الفهم
الطلاب أنفسهم عبّروا عن استيائهم من الوضع القائم، حيث قال الطالب أيمن عبدالله في الصف العاشر أحدهم: “الصف مزدحم جداً، ما من مكان كافٍ حتى للجلوس براحة، وصعب نفهم على الأستاذ لأن في ضجة وتشويش طول الوقت.”
وأضاف أحمد ناصر في صف البكالوريا أولى: ” نحنا ما متعودين على الاختلاط انه يكون معنا بنات بالصف، وهالشي عم بأثر كثير علينا لإن عم بتزيد الزناخة بالصف، وعم بصير في تشويش كثير وما عم نفهم ولا على شرح ولا على استاذ”
وتقول الطفلة ليا في الصف الرابع: يوجد في صفنا ما يقارب ال ٤٥ طالبة ومعظم الوقت والاستاذ والمعلمة يصرخون على الطالبات كي يهدئن ليستطيعوا شرح الدرس، وفي أكثر الاحيان لا نفهم كثيراً بسبب الضجيج”
ورغم هذا الواقع القاسي، يتمسّك الطلاب والأهالي بحقهم في التعليم كطريقٍ وحيدٍ للحفاظ على الأمل بمستقبلٍ أفضل. لكنّ الأصوات في المخيم ترتفع اليوم مطالِبة الأونروا بتحمّل مسؤولياتها وإيجاد حلول عاجلة لأزمة التعليم، قبل أن تضيع الأجيال بين الجهل والفقر.
ويبقى السؤال مفتوحاً أمام المجتمع الدولي والمؤسسات المعنية:
هل ما زال التعليم حقاً مكفولاً لكل طفل فلسطيني لاجئ، أم أنه بات حلماً بعيد المنال في صفوفٍ تضيق بأجسادٍ صغيرة وأحلامٍ كبيرة؟